يكاد
القلق يقضي على نوف طيلة أيام انتظارها للوظيفة، بعد أن رمت بكل ثقلها في
الشهادة الجامعية. ومرد خوفها ذاك ليس حبا في استقلالية أو العمل ومردوده
المادي، وإنما خشية أن يفوتها قطار الزواج السريع في مجتمعنا ـ تحديدا ـ
وهي واقفة على أعتاب المحطة الأخيرة. ويبدو أن إيمانها بأن الوظيفة أشبه
ماتكون بكرت دعوة للفرح، أوقعها في مأزق فعلي لصعوبة ماتبحث عنه سواء وظيفة
ذات دخل ثابت أو فارس أحلام قد لايجود به الزمان.. ومثل نوف هناك الكثيرات
من الفتيات الواقفات في نفس محطة القطار.
رغم تباين الأرقام وغياب الإحصائيات الدقيقة، لازالت دائرة العنوسة آخذة في التوسع حتى ألقت في جوفها مايقارب 1.5 مليون فتاة بحسب إحصائيات باحثين اجتماعيين (غير رسمية). وكشفت إحصائيات وزارة الاقتصاد والتخطيط في مسحها الديموجرافي عام 1428 هـ أن نسبة السعوديات بعمر 15عاما ومافوق ولم يسبق لهن الزواج بلغت 32.1 في المائة، فيما توزعت النسبة الباقية على المتزوجات والأرامل والمطلقات.
العانس صفة تطلق على المرأة التي بدأت حظوظها في الزواج تتراجع بسبب تقدمها في العمر. وهذا المفهوم يختلف باختلاف الثقافات المجتمعية. وبما أن نسبة 97 في المائة من الســــــعوديات يتزوجـــــــن ماقـــــبل سـن الـ 30 ـ وفقا للمسح الديموجرافي ـ فمن الواضح أن المجتمع السعودي يصنف من هن في هذه السن وما بعدها ولم يتزوجن بعد في خانة العوانس.
مجتمع طبيعي
تشير الأرقام إلى أن كل 102 من الرجال في المملكة يقابلهم 100 من النساء. وتدل هذه النسبة ضمن المدى المشاهد في غالبية المجتمعات على أن المجتمع السعودي طبيعي متوازن يقترب فيه عدد الإناث من عدد الذكور.
التعصب القبلي
في مجتمع نسيجه يتكون من القبائل، كان الانتساب لذات القبيلة في طرفي الزواج سببا رئيسا في ارتفاع معدلات العنوسة. وهذا يعتمد على فوارق أعداد الذكور والإناث فيما بين القبائل بشكل عام، والقبيلة الواحدة على وجه الخصوص، وعلى سبيل المثال ـ دون تحديد قبيلة بعينها ـ سجلت منطقة الحدود الشمالية أعلى نسبة للفتيات ممن لم يسبق لهن الزواج بواقع 39 في المائة، بينما سجلت منطقة المدينة المنورة أقل نسبة بواقع 28 في المائة.
عنوسة المناطق
ويعطي تفوق أعداد الإناث على أعداد الذكور في بعض المناطق مؤشرا هاما إلى احتمالية ارتفاع نسبة العنوسة في هذة المناطق مستقبلا، ففي حائل بلغ عدد إجمالي الإناث 155.956 مقابل 145.256 من الذكور، فيما سجلت منطقة الباحة النسبة العليا في عدد الإناث غير المتزوجات ممن تجاوزن سن الخامسة عشرة ليصل إلى 42.878 مقابل 33.565 من الذكور غير المتزوجين بعد.
قسمة ونصيب
وعلى الرغم من تخوف العديد من الفتيات من مؤشرات ارتفاع نسبة العنوسة. لم تظهر ريم العامري أيا من تلك المخاوف وقالت:
اعتقد أن الزواج كما هو معروف (قسمة ونصيب) ومن هنا ينبغي على الفتيات الصبر حتى يأتي فارس الأحلام في الوقت المناسب، ولا أرى ما يدعو إلى الخوف والتوتر من ضياع فرصة الزواج.
مجتمع منغلق
حنان الغامدي ـ 18 عاما ـ أبدت قلقها من عدم لحاقها بقطار الزواج، بعد أن عايشت الأمر مع فتيات من محيطها الأسري. مشيرة إلى أنها كثيرا ما تلاحظ تزايد عدد قريباتها ممن لم يتزوجن بعد وبدأت فرصهن في التضاؤل بمرور الوقت. الأمر الذي أوجد لديها نوعا من الإحباط والتشاؤم.
تضخيم إعلامي
بدورها ترى هدى العمري ـ طالبة جامعية ـ أن الإعلام ضخم من حجم القضية وصورها أكبر مما هي عليه في الحقيقة.. وتقول: «إن ما يشغلنا اليوم كيف تتقارب وجهات النظر بين طرفي الزواج. حيث إن هناك ارتفاعا كبيرا في معدلات الطلاق وهذا يعكس الاختلاف في طريقة التفكير، بالإضافة إلى أهمية دور العاطفة في تحديد علاقة الزوجين. لذلك فإنني على الرغم من رفضي القاطع لتكوين العلاقات قبل الزواج، إلا أنني أطالب المجتمع بإيجاد حلول هادفة لزرع المفاهيم والقيم بين الطرفين (الشاب والفتاة) حتى يكون هناك تقارب من حيث الفكر والعاطفة قبل الشروع في الزواج.
فتيات دون مسؤولية
عبد العزيز الكناني ـ موظف قطاع خاص ـ يقول: إن من المعقول جدا أن تتحلى الفتاة التي يحلم بها الشاب بخلق طيب وقدر من التعليم وإلمام بمهامها الزوجية. ولكن اليوم نجد أن ما يشغل بعض الفتيات أحدث الملبوسات التي يرتديها المشاهير، وآخر أنواع الإكسسوار، وأجهزة الجوال، والجلوس أمام شاشات الكمبيوتر لغرض الترفيه وقيادة السيارة. فكيف لها أن تشعر بالمسؤولية نحو زوجها وأبناء المستقبل.
هاجس الوظيفة
تركي عبد الله هاشم ـ موظف 22 عاما ـ يقول: «انعدام الأمان الوظيفي لازال حائلا بيني والزواج، حيث إنني أعمل في القطاع الخاص ويمكن الاستغناء عن الموظفين في أي وقت، خاصة بعد الأزمة الاقتصادية العالمية.
غلاء المهور
بندر الرديني ـ صاحب محل ـ أكد عزوفه عن الزواج في الوقت الراهن بسبب غلاء المهور من قبل بعض الآباء.. وقال: «تصل التكاليف الإجمالية للزواج في منطقتنا إلى أكثر من 200 ألف ريال. وهذا يشكل حاجزا منيعا يصعب أن يتخطاه أي شاب يعمل براتب متواضع أو تجارة بسيطة.
ربة المنزل أفضل
أحمد العتيبي قال: «بعض الشباب في هذه الأيام يبحثون عن المرأة العاملة طمعا في راتبها الذي على أقل تقدير سيكفي مصاريفها الشخصية. وأرى أنه ليس مهما بالدرجة الأولى أن تكون الفتاة الموظفة أفضل من ربة المنزل. فلكل واحدة إيجابياتها وسلبياتها وإن كنت أرى أن ربة المنزل سلبياتها أقل بكثير من العاملة نظرا لتفرغها لتربية الأبناء وتوفير بيئة أسرية جيدة.. و إنني أعتقد أن التسليط على الجانب المادي لا يخلو من الإشكاليات التي تؤدي في نهاية المطاف إلى الطلاق.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق